تحليل نص الصمت لأبو اامعاطي ابو النجا


سياق النص

النص قصة قصيرة تعالج موضوعا اجتماعيا يتعلق بمعاناة خادمات البيوت الصغيرات لدى الطبقات المتوسطة أو الميسورة، وما يواجهنه من أنانية هذه الفئات وتعنيفها وهدرها لكرامتهن، رغم مستوى الوعي الذي يفترض أن تمثله هذه الطبقات المتعلمة. وهو لأبي المعاطي أبي النجا الكاتب المصري المنتمي إلى جيل الرواد المؤسسين للحركة القصصية العربية، المنشغلين بهموم الإصلاح في وطن رزح تحت نير الاستعمار والتخلف، والنص من مجموعنه القصصية ” الحب والناس” التي تتخذ من العلاقات الاجتماعية المختلة في الزمن العربي الحديث بكل تفاصيلها هاجسها الكبير.

ملاحظة النص

يحيل عنوان النص “الصمت” إلى عالم السكون والفراغ والخواء والخوف والصدمة والحزن والوحدة والكآبة والتأمل والاستغراق والغموض والاحتجاج والاستفزاز والوقار والحكمة وانسداد أفق التواصل والارتكان إلى المقاطعة واللامبالاة والتوسل بحوار خارج نطاق اللغة تترجم فيه الملامح والقسمات والعيون كل ما يدور في النفس…، وبالنظر إلى كون لفظة العنوان معرفة فإن هذه الإشارات تصبح قصدية مترعة بالكثير من الإصرار والعناد، وباعتبار الطاقة الصوتية للفظة موضوع العنوان القائمة على خاصيات الهمس والانفجار من جهة، والرخاوة والتضعيف من جهة أخرى، فإن حدث الصمت يصبح متعلقا بموقف قوي صادر من طرف ليس له من القوة ما لموقفه تأكيدا على أن هدر الكرامة مرفوض ولوكانت كرامة خادمة صغيرة فقيرة، وبذلك يمكن اعتبار العنوان محيلا على الحدث البؤرة، والعنصر الأكثر إثارة وتأثيرا وإيحاء في هذا المحكي القصير.
واستنادا إلى إيحاأت العنوان ومحمولات الملفوظ الأول والأخير في النص نفترض أن موضوع الحكي يدور حول حدث حاسم رهن مسار بطل الحكاية. والجملة الأولى والأخيرة من النص مؤشران على أن المسرود ينشغل بقضية اجتماعية، فالصفعة والصرخة اللتان جلبتا الكآبة إلى البيت الصغيرعبر الصمت الرهيب الذي فجرته الخادمة في كيانات الأسرة المخدومة عالجهما السارد في نهاية النص بصمت متوسل متودد أعاد الضحكة الصغيرة المجلجلة في أرجاء البيت؛ مما يؤشر على أن السلوك الاجتماعي القائم على التواصل والتقدير والاحترام والتسامح وحده يصنع أمن البيوت والشعوب.
النص من نمط الكتابة السردية، وتحديدا قصة قصيرة، تدل على ذلك طبيعة المكونات السردية ووظائفها وأبعادها، فالنص متمحور حول حدث واحد، وشخصية رئيسية واحدة يلامس أحوالها النفسية بعمق واختزال، والزمان والمكان محددا الأبعاد والدلالات، وكل تلك المشيرات مما يميز هذا الجنس السردي القصير.

فهم النص

يتمفصل النص إلى حزمة من الوحدات الحكائية تتعالق مع الحدث البؤرة [الصمت] بعلاقات زمنية أو منطقية، ومنها:
  • الصفعة التي أراد السارد أن يوقف بها تدفق المرح والضحك المزعج لرجل مستغرق في الكتابة محتاج إلى الهدوء والتركيز
  • رد الفعل الأول ضد الصفعة غضب مكتوم يطفح من قسمات وجه كالح مذعور ونظرات صاعقة محتجة
  • صمت سعدية يسبب الكآبة لبنت السارد ويحرمها من لحظات المتعة والسعادة التي تمثلها الحكايات وأنماط المرح التي تغدقها عليها
  • انشغال السارد بصمت سعدية وقلقه بشأن طبيعته ومداه، ومحاولاته الفاشلة لاستعادة الخادمة المرحة
  • فشل السارد في الحلول محل سعدية، وتقمص أدوارها في تأمين المرح والسعادة لبنته
  • اقتناع السارد بأن سعدية ليست مجرد خادمة تلبي طلبات الأسرة، بل إنسان له كرامة، وله وجود مستقل، وشخصية متميزة، ومن الضروري فتح حوار معها للخروج من الأزمة التي سببها صمتها.
  • اقتناص السارد فرصة خروج زوجته وابنتها لتدشين حوار حقيقي مع الفتاة لكنه لم يجدها
  • اكتشافه أن للخادمة وجود آخر خارج البيت فيه متنفس للمرح أسفل السلم مع زميلتها من شقة أخرى
  • التقاء نظرات الراوي وسعدية وانخراطهما في حوار صامت، بعد اكتشافه عالمها الآخر وطبيعتها الأصلية، ارتدادي ماكر من سعدية، ومتوسل مترج من الراوي، أعاد الثقة إلى آلطرفين في حياة كريمة آمنة أكثر تجذرا هذه المرة.
نخلص من هذه الوحدات الحكائية إلى أن الإحساس بفقدان الكرامة في علاقة اجتماعية بين طرفين غير متكافئين يربك التواصل بينهما، ويدخل العلاقة في صراع مضمر أو صريح، فيحل السخط والرفض والصمت محل الألفة والمودة، وأن الاعتراف بالخطأ والقدرة على التواضع والاعتذار وحده كفيل باستعادة الثقة بين طرفي التواصل.

تحليل النص

في النص جملة من المكونات المتميزة التي تشكل بنيته السردية، وتجعل عالم المحكي عالما متفردا بخصائص، مؤطرا بقوالب فنية مرنة يرتبها السارد في اتساق وتناغم ورؤية فنية مضبوطة تعطي المسرود تأثيره المطلوب وجماليته المنتظرة التي تدهش المتلقي. وفي إطار هذا النسق يمكننا مقاربة المكونات الآتية:

الأحداث

الأحداث في النص بسيطة مرتبة ترتيبا طبيعيا على محور زمني أفقي متسلسل، لايخرق هذا التسلسل سوى لحظة استرجاع لتوسيم الفتاة بما يحدد وضعها الاجتماعي، وهذه الأحداث لا تخرج عن ثلاث مدارت:
  • تعرض الخادمة الطفلة للعنف يلزمها الصمت باعتباره سلاح للضعيف في مواجهة خصم مندفع مغرور
  • الصمت تعويض وعقاب يخلحل واقع الحياة المشترك بين السارد وسعدية
  • التوسل والتجرد من الغرور والتعالي يعيد الحياة إلى طبيعتها.
هكذا يتضح أن الحدث في النص رغم بساطته محشو بكل الزخم النفسي والدلالات الاجتماعية التي يرام من خلالها رسم أفق لترميم التصدع وتصحيح الوضع المختل ووقف نزيف فقدان الاعتراف بوجود الآخرين وتأثيره في وجودنا.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog